تعريف الزراعة
بسم الله الرحمن الرحيم
تُعرَّف الزّراعة بأنّها (عمليّة إنتاج الغذاء، والعلف، والألياف، والوقود عن طريق تربية النّباتات والحيوانات). ترتبط الزّراعة بتطوّر الجنس البشريّ وتَحوُّله من حياة التّنقل، والاعتماد على الصّيد، وجمع النّباتات البريّة لتأمين غذائه إلى حياة الاستقرار، وهي حاليّاََ المهنة الأكثر شيوعاََ؛ إذ تُوظّف 42% من العمّال في العالم.
يعود أصل كلمة زراعة في اللغة العربيّة للفعل زَرَع؛ أي ألقى البِذار في الأرض،
أمّا أصل الكلمة الإنجليزيّة (Agriculture) فهي من الكلمتين اللاتينيّتين: (Ager)، وتعني: الحقل، و(Cultura)، وتعني: حراثَة، وبالفعل استُخدِم المصطلح قديماََ للإشارة إلى زراعة الأرض وحرثها، إلّا أنّه قد توسّع ليشمل تربية المواشي أيضاََ.
اعتمد الإنسان البدائيّ في غذائه على الصّيد، وعلى ما يجمعه من النّباتات البريّة، لذلك كان يتجوّل من مكان إلى آخر، ثمّ بدأ البشر بالاستقرار تدريجيّاََ بالتّزامن مع تعلّمهم كيفيّة زراعة الحبوب والمحاصيل الجذريّة قبل ما يقارب 11.500عام، إلا أنّ الاهتمام الحقيقيّ بالزّراعة لم يبدأ إلا منذ ألفي عام فقط؛ إذ توجّه الكثير من البشر للزراعة، ويُعتقَد أنّ السّبب يعود للتغيرات المناخيّة في ذلك الوقت.
مع توجّه البشر لزراعة النّباتات البريّة بأنفسهم، بدؤوا أيضاََ باستئناس الحيوانات البريّة وتدجينها، وقد كانت الكلاب أوّل الحيوانات التي دجّنها الإنسان واستخدمها للصّيد، تلتها الأغنام، والماعز، والأبقار، والخنازير التي كان يتمّ اصطيادها للحصول على اللّحوم والجلود، وبعد تدجينها استُخدِمت أيضاََ كمصدر للحليب، والزّبدة، والجبن، وللمساعدة في النّقل، وحراثة الأرض.
مع تطوّر الزّراعة، تمكّن البشر من إنتاج مواد غذائيّة فائضة عن حاجتهم، فبدؤوا بتخزين المحاصيل لاستخدامها في المواسم السيّئة، وأقام المزارعون قُرىً دائمةً قرب حقولهم، وبدأ التّبادل التّجاري بين هذه القرى، ومن أهمّ الحضارات التي نشأت في أماكن الزّراعة الخصبة؛ الحضارات التي قامت على طول نهر النّيل في مصر، وقرب نهري دجلة والفرات في بلاد الرّافدين (العراق وإيران حالياََ).
اعتمد البشر قديماََ على قطع الأشجار والنّباتات وحرقها للحصول على أراضِِ زراعيّة، ويُعدّ استخدام النّار في الزّراعة من أقدم المُمارسات الزّراعيّة التي عرفها سكّان أمريكا الأصليّون لتشجيع نموّ بعض النّباتات، مثل: التّوت، ومع مرور الزّمن تطورت الأدوات والأساليب الزّراعيّة، فبدؤوا باستخدام أدوات مصنوعة من العظام، والحجر، والبرونز، والحديد، وصنعوا من الصلصال أواني للطبخ وتخزين الغذاء الفائض عن الحاجة، وتطوّرت أساليب الرّي وأنظمته، ممّا مكّن المزارعين من الزّراعة في أماكن لم يكن يُعتقَد بأنّها مناسبة للزراعة.
شهدت المحاصيل الزراعيّة تطوّراََ كبيراََ نتيجة الممارسة، وتبادل الخبرات بين الشّعوب المختلفة، فظهر القمح المُحسَّن في جنوب آسيا ومصر، وتميّز القمح المُحسَّن بقوّته، وسهولة التّخلص من قشوره لاستخدامه في صنع الخبز، وقد نقل الرّومان تقنيات الزّراعة التي لاحظوها في أفريقيا وآسيا إلى أوروبا، وعرف الصّينيون الأرزّ الفيتناميّ الذي اشتُهِر بسرعة نضجه؛ ممّا سمح بزراعة أكثر من محصول في الموسم الزّراعي الواحد، وظهر في أوروبا نظام الحقول المفتوحة، وفي ظلّ هذا النّظام كانت الأرض تُقسَم إلى ثلاثة أقسام؛ يُزرَع القسم الأول في الرّبيع، ويُزرَع القسم الثاني في الخريف، ويُترَك القسم الثّالث دون زراعة ليستردّ خصوبته.
من أهمّ التّطورات التي طرأت على المعدّات والتقنيات الزّراعيّة ما يأتي
* استخدام آلة نثر البذور وغرسها التي صنعها جيثرو تول (Jethro Tull) في إنجلترا، بدلاً من غرس البذور باليد، وقد أصبحت هذه الآلة واسعة الانتشار في أوروبا مع نهاية القرن الثّامن عشر.
* استخدام محلج القطن، وهي آلة اخترعها الأمريكيّ إيلي ويتني (Eli Whitney) عام 1794م؛ لفصل ألياف القطن عن بذوره بسرعة وسهولة.
* استخدام آلة حصد الحبوب التي اخترعها سايروس ماكورميك (Cyrus McCormick).
* استخدام آلة درس الحبوب التي تُدار بالحصان؛ حيث سهّلت فصل الحبوب والبذور عن السّيقان، واخترعها كلّ من جون، وهرام بيتس.
* استخدام المحراث الزّراعي المصنوع من الصُّلب الذي اخترعه جون دير (John Deere) عام 1837م، فسهّل عملية إعداد التّربة القاسية للزراعة.
* استخدام تقنية الاصطفاء الاصطناعيّ (بالإنجليزية: Selective Breeding)، ويُقصَد بها تكثير النّباتات والحيوانات ذات الصّفات المرغوبة، مثل: سلالة ديشلي ليسيستر، وهي سلالة أغنام إنجليزيّة تمّ تطويرها للحصول على لحم، وصوف ذي جودة عالية، كما أسهمت دراسات العالم غريغور مندل (Gregor Mendel) في نقل الصّفات الوراثيّة المرغوبة في المحاصيل الزّراعيّة من جيل إلى آخر.
* اتّباع طريقة الدّورات الزّراعية التي تتضمّن زراعة محصول مختلف كلّ عام؛ ممّا يزيد خصوبة التّربة، وقد تمّ تطبيق هذه الطّريقة بنجاح لزراعة محاصيل زراعيّة عدة، منها: نبات القمح، واللّفت، والزّيوان، والشّعير، والبرسيم.
* استخدام الآلات التي تعمل على البنزين، والكهرباء في مشاريع الزّراعة، وتربية الثّروة الحيوانيّة، مثل: الجرارات، ومضخّات المياه، وآلات الحلب، ومعدّات التّغذية منذ بداية القرن العشرين، مما شكّل قفزةً نوعيّةً في الإنتاج.
* تطوّر أساليب المزارعين في مكافحة الآفات الزراعيّة، والبدء باستخدام المواد الكيميائيّة للقضاء على الحشرات، والأرانب، والفئران التي تهاجم المحاصيل الزّراعيّة، والأعشاب الضّارة، والكائنات المُسبّبة للأمراض، مثل: البكتيريا، والفيروسات، والفطريات.
* استبدال الأسمدة الطّبيعيّة مثل الرّوث، واستخدام الأسمدة الكيميائيّة التي تحتوي على أهمّ العناصر اللّازمة لنموّ النّباتات، مثل: النّترات، والفوسفات، ونظراََ إلى الآثار السّلبيّة للمبيدات والأسمدة الكيميائيّة على البيئة وصحّة الإنسان، يجري حالياََ البحث عن بدائل كيميائيّة أكثر أماناََ لاستخدامها كأسمدة ومبيدات.
يمكن تعريف محاصيل الغذاء الرّئيسيّة بأنّها الأغذية التي توفّر نسبةً كبيرةً من احتياجات الفرد من الطّاقة والعناصر الغذائيّة، ومن بين أكثر من 50.000 نوع من النّباتات القابلة للأكل حول العالم، يوجد فقط 15 محصولاً نباتياً يوفر 90% من الطّاقة الغذائيّة التي يتمّ تناولها على مستوى العالم، ومن هذه المحاصيل
**الأرزّ**
يشكّل الأرزّ الغذاء الأساسيّ لأكثر من 1.6 مليار شخص في جميع أنحاء العالم، ومن أكبر مُنتجي الأرز في العالم: الصّين، والهند، وإندونيسيا، والبرازيل.
**الذُّرة**
أوّل من زرع نبات الذّرة هم شعوب المايا، والآزتك في أمريكا الوسطى، ومن أهمّ مُنتجيها حالياََ: الولايات المتحدة التي تنتج أكثر من 40% منها في العالم، بالإضافة إلى الصّين، والبرازيل، والمكسيك، والأرجنتين، وتعود شعبيّة الذّرة لتعدُّد طرق استهلاكها وسهولة تخزينها، وتُستخدَم لتصنيع رقائق الذُّرة للإفطار، ودقيق الذُّرة الذي يُصنَع منه خبز التّورتيلا، وتؤكل الذّرة مشويّةً، أو مسلوقةً، ويُصنَع منها البوشار، كما يُستخرَج منها زيت الذّرة.
**القمح**
زُرِع القمح لأوّل مرّة في الشّرق الأوسط، ومن أكبر مُنتجي القمح حالياََ الصّين، والهند، والولايات المتحدة، وروسيا، وفرنسا، ويُستخدَم القمح لإنتاج الخبز، والمعكرونة، وحبوب الإفطار، والشّعيريّة، والبرغل، وغيرها.
**الدّرنات، والخضروات الجذريّة**
منها البطاطا، والبطاطا الحلوة (اليام)، والكسافا، وهو الغذاء الرّئيسيّ لأكثر من 500 مليون شخص في العالم، والقلقاس.
تعليقات
إرسال تعليق
شكراً لكم